افتتح رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، أعمال الدورة 26 من "منتدى الاقتصاد العربي"، الذي نظّمته مجموعة "الاقتصاد والأعمال" بالاشتراك مع مصرف لبنان، وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية، جمعية مصارف لبنان، ومؤسسة التمويل الدولية (IFC)، وبالتعاون مع المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال)، الهيئات الاقتصادية اللبنانية، وغرفة طرابلس ولبنان الشمالي.
حظي المؤتمر بمشاركة أكثر من 500 شخصية من 20 دولة عربية واجنبية، في مقدّمها رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم على رأس وفد كويتي رفيع المستوى. وكان لافتا حضور وفد سعودي ضم الصندوق السعودي للتنمية وعددا من رجال الاعمال، كما شارك وفد من صندوق النقد الدولي برئاسة مدير عام منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى الدكتور جهاد أزعور، والذي أطلق خلال المنتدى، للمرة الاولى هذا العام، تقرير الصندوق حول النمو في المنطقة.
الحريري
وألقى الرئيس سعد الحريري كلمة أكد فيها "أننا أمام خيار من إثنين: إما الاستسلام للواقع الحالي وللصعوبات التي تواجه لبنان، وإما النهوض بلبنان لتأمين الازدهار لكل اللبنانيين". وقال: "أنا لن أستسلم، وهذا هو الخيار الذي أعمل عليه شخصيا، وثقتي كبيرة جدا، بأن المجتمع السياسي اللبناني سيتجاوز مرحلة السجالات التي تسمعون عنها، ليدرك أن مصلحة لبنان وحق اللبنانيين بحياة كريمة يجب أن يتقدما على كل اعتبار".
وقال: "كلنا نعلم المصاعب التي تمر بها المنطقة، والأزمات التي تواجه العديد من البلدان العربية، في ظل غياب الاستقرار الأمني والسياسي، وتداعيات الحروب والنزاعات على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، والنتائج التي ترتبت على نزوح الملايين من الأشقاء السوريين إلى الدول المجاورة، والتراجع الكبير في النشاط السياحي، والآثار السلبية لكل ذلك على معدلات النمو، والقدرة على استقطاب الاستثمارات.
هذه التحديات والمصاعب تطرح علينا، دولا ومجتمعات وهيئات اقتصادية، مسؤولية التعاون على إنتاج الأطر المشتركة للتفكير في إعداد الحلول، ورسم السياسيات القادرة على تطوير وحماية وتفعيل الاقتصاد العربي".
وكشف أنّ "منطقتنا تحتاج، إلى 27 مليون فرصة عمل جديدة في السنوات الخمس المقبلة. والسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه اليوم، هو كيف يمكن أن نحقق ذلك؟ إن التحدي الأول الذي يواجه البلدان العربية يكمن برفع معدلات النمو، أما التحدي الثاني، فيكمن بجعل هذا النمو نموا مستداما يشمل مختلف قطاعات المجتمع، خصوصا النساء والشباب، وما يعنيه ذلك من إطلاق حيوية لا غنى عنها في الدورة الاقتصادية لبلداننا العربية. ويبقى التحدي الثالث، الذي يكمن في تنويع مصادر النمو. وتنويع مصادر النمو لا ينطبق على الدول المصدرة للنفط فقط، بل هو ينطبق أيضا على دول كلبنان والأردن ومصر وغيرها من دول المنطقة العربية".
الغانم
وألقى رئيس مجلس الامة الكويتي مرزوق علي الغانم، كلمة أكد فيها أنّ "رؤية الاصلاح الاقتصادي والمالي في الكويت تستلهم فكر سمو أمير البلاد الذي يطمح لجعل الكويت مركزا ماليا واقتصاديا اقليميا ودوليا"، موضحا أنّ "خطة الاصلاح الاقتصادي والمالي في الكويت تهدف إلى تحولات رئيسية ثلاثة تتعلق بطبيعة الاقتصاد وقاعدته الانتاجية وطبيعة القوة البشرية المحركة له".
وتطرق الغانم في كلمته إلى افاق الاصلاح المالي والاقتصادي في العالم العربي، فأكّد أنّ "الإصلاح أشبه بالعمل الجراحي، مؤلم موجع ولكن لا غنى عنه. فالتغيير أول شروط الاستمرار، والتغيير مستحيل مع تمسك كل فريق بخندقه ومكاسبه، والتغيير مستحيل مع بقاء كل مسؤول في منصبه"، مشيرا إلى أنّه "لعل أقرب مثال عملي حديث على نهج التغيير هو عملية إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي الذي تتم برعاية مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وبمتابعة حثيثة من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان".
وأكد الغانم أنّ "الاصلاح بحاجة إلى نفس طويل من الحكومات ومن الشعوب على حد سواء. وهذا النفس لن يكون مجديا إذا كان قصيرا أو قاصرا أو متقطعا ، بل يجب أن يظل موصولا ومنتظما ومتدفقا طوال فترة العبور والتحولات".
وقال: "لا بد من الإقرار أنه من الصعب على بعض الحكومات العربية أن تطالب شعوبها بتحمل تكاليف الإصلاح طوال سنوات التحول الجذري، وهي ترى كيف ينتشر الفساد المالي والإداري الذي يستبيح المال العام، ويعيق التغيير، ويشيع أجواء القلق والإحباط واليأس".
الكباريتي
من جهته أشار رئيس اتحاد الغرف العربية، العين نائل رجا الكباريتي، إلى أنّ "قطار التغيير العالمي يسير بسرعة قياسية، ونحن يجب أن نتعامل مع هذا الواقع بكل حزم وعزم ووعي أكبر كي لا نبقى أسرى الماضي. ويجب علينا أن نتطلّع إلى الغد ولكي نصنع هذا الغد المشرق لابد أن نضع استراتيجيات مبنية على علمنا وإدراكنا لما يحصل في العالم من أحداث اقتصادية وخاصة بين أمريكا من جانب وأوروبا من جانب آخر والصراع الأمريكي الأوروبي مع العملاقين الاقتصاديين الجديدين الصين والهند".
وقال: "في سياق هذه التغيّرات الدراماتيكية الحاصلة في السياسات الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي، لا بد لنا تكثيف جهودنا والتركيز على تبني خطط قومية لتنويع الهياكل الاقتصادية للبلدان العربية تندرج في استراتيجيات تدفعنا قدما نحو تحقيق النمو الاقتصادي والقضاء على التحديات الاقتصادية التي تواجه بلداننا العربية على صعيد تحقيق النمو الشامل والمستدام. وتستهدف زيادة التنويع الاقتصادي بالتركيز على القطاعات عالية القيمة المضافة والقطاعات التصديرية وقطاعات الاقتصاد المعرفي، لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة، وكذلك توفير اجراءات وإصلاحات لضمان الشفافية والنزاهة وحوكمة الشركات والمؤسسات وغيرها من القضايا التي تؤرق الاقتصاد العربي".
ولفت إلى أنّه "لا بد على العالم العربي أن يغيّر من نهجه الاقتصادي وأن يبني تحالفات اقتصادية عربية - عربية وعربية إفريقية الذي قد يؤمن تنمية متوازية قد توفر لشعوبنا حياة أفضل ضمن التسارعات والصراعات العالمية".
سلامة
من ناحيته أكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أنّ "الأسواق الناشئة تعيش خضات متتالية أدت إلى تراجع قيمة العملات في هذه الدول مقارنة بالدولار واليورو إضافة إلى تراجع قيمة إصداراتها من السندات وارتفاع المردود عليها. وحافظ لبنان على استقرار عملته تجاه الدولار الأميركي، والليرة مستقرة وثابتة، مدعومة بموجودات مرتفعة بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان والقطاع المصرفي".
وقال: "يشير المؤشر الاقتصادي لمصرف لبنان إلى أنّ نسبة النمو للعام 2018 سوف تكون 2%، مع الأخذ بعين الاعتبار التراجع في القطاع العقاري والوضع المستقر في قطاع الاستهلاك. وتجدر الاشارة إلى أنّه ابتدأ التراجع في القطاع العقاري منذ العام 2011، وهو لا يرتبط بالتطورات الأخيرة التي طالت القروض السكنية. واللافت أنّ تراجع السيولة في المنطقة أدى إلى تراجع في الوضع العقاري في مجمل دول المنطقة وليس في لبنان فحسب".
أزعور
بدوره ركّز مدير عام منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى الدكتور جهاد أزعور على "أهمية النمو الاحتوائي الذي يؤدي إلى خلق الوظائف وتعزيز العدالة الاجتماعية"، لافتا إلى أنّ "ضعف النشاط الاقتصادي في المنطقة له اسباب هيكلية داخلية. كذلك هناك تحديات خارجية تنعكس سلبا على المنطقة واقتصادها، ومنها تقلب أسعار السلع الأولية. وفوق كل ذلك، أدت النزاعات الأمنية إلى زعزعة استقرار المنطقة، وخيمت بظلالها على نمو اقتصاداتها"، مشيرا إلى أنّ "البطالة في العالم العربي هي من الأعلى في العالم لدى الشباب، إذ يبلغ متوسطها 25%، وهناك أكثر من 27 مليون شاب سيدخلون سوق العمل في المنطقة خلال السنوات الخمس المقبلة. وبالتالي إن الإصلاحات الداعمة للنمو الاحتوائي، كفيلة بتحقيق مكاسب كبيرة. فعلى سبيل المثال، إن زيادة التوظيف بمقدار 0.5 نقطة مئوية إضافية سنويا، يمكن أن تثمر تسارعا في نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 5.5%، وارتفاعا لدخل الفرد الحقيقي بمقدار 3.8 % سنويا، مما يمكن مضاعفة النمو في بلدان المنطقة خلال عقد واحد من الزمن، وزيادة الناتج التراكمي بما يعادل تريليون دولار أميركي".
طربيه
واستعرض رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزيف طربيه، المتغيرات والتحديات الاقتصادية على المستويين الاقليمي والعالمي، لافتا إلى أنّه رغم كل المعوقات المعروفة داخليا واقليميا، تحتفظ مصارفنا بقدرات مهنية وشبكات علاقات راسخة تكفل لها جذب المزيد من الودائع والتوظيفات وتحقيق معدلات نمو مقبولة جدا تراوح بين 5 و 6 في المئة سنويا".
وقال: "تؤكد أبرز وكالات التصنيف الدولية أن مصارفنا قادرة على الاستمرار في جذب الودائع، لتساهم بذلك في سد العجز في كل من الموازنة والميزان الجاري وفي المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي في البلاد".
شقير
أما رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمّد شقير فقال: "صحيح أن منطقتنا تمر بأزمات وحروب، لكن في المقابل علينا كقطاع خاص أن نعمل لخلق آليات تعاون وإقامة شراكة وطيدة في ما بيننا لدفع عملية التفاعل الاقتصادي بين بلداننا، لأن تحقيق النمو المستدام يتطلب أرضية أوسع من إقليم كل دولة، وأعتقد أن المنطقة العربية تعطي هذه المساحة الرحبة لتحقيق مصلحة الجميع. وبالنسبة لنا كقطاع خاص لبناني، فإن هذا الموضوع يأتي في مقدمة اهتماماتنا، حيث كنا على الدوام السباقين في إعطاء الأولوية للتعاون مع القطاع الخاص العربي من خلال دعوته للاستثمار وللمشاركة في المشاريع الكبرى التي تنفذ في بلدنا".
أبو زكي
وكان قد استهل حفل افتتاح المنتدى بكلمة للرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والاعمال رؤوف أبو زكي، نوّه فيها بأنّ "منتدى الاقتصاد العربي جاء بمبادرة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن مجموعة الاقتصاد والأعمال وبالتعاون مع هيئات اقتصادية محلية وعربية. أما الرئيس سعد الحريري فيتابع المسيرة، وهو يعاني مثلنا من تقلبات الأوضاع في لبنان والمنطقة. وها هو معنا اليوم يؤكد التزامه بهذا المنتدى، الذي هو جزء بسيط من التزامه الأكبر بمسيرة والده الشهيد، وهي مسيرة الإعمار. والازدهار وما مؤتمر "سيدر" الذي عقد في باريس سوى العنوان الأبرز لهذه المسيرة".
تكريم
في ختام حفل الافتتاح، كرم منتدى الاقتصاد العربي نخبة من الشخصيات القيادية والمؤسسات العربية واللبنانية، هي: رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، رئيس وزراء مصر الأسبق المهندس ابراهيم محلب، الصندوق السعودي للتنمية، البنك العربي ممثلا برئيس مجلس الإدارة صبيح المصري، والمدير العام التنفيذي نعمة صباغ، رئيس شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، رئيس شركة الشرق الأوسط فنتشر بارتنرز وليد حنا. كما كرمت الهيئات المنظمة راعي المنتدى الرئيس سعد الحريري.